عليه مثلُ الدُّنيا الأسفلُ ومحبتُها وإرادتُها والتعلُّق بها، فضاق وأظلم وبعد من كمالِهِ وفلاحه. حتى تعود القلوبُ على قلبين: قلبٍ هو عرشُ الرحمن؛ ففيه النورُ والحياة والفرحُ والسرور والبهجةُ وذخائرُ الخير. وقلبٍ هو عرشُ الشيطان؛ فهناك الضِّيقُ والظلمة والموتُ والحزن والغمُّ والهمُّ؛ فهو حزينٌ على ما مضى، مهمومٌ بما يُستقْبَلُ، مغمومٌ في الحال.
وقد روى التِّرمذيُّ وغيره (١) عن النبي ﷺ؛ أنَّه قال:"إذا دخل النُّورُ القلبَ انْفسَحَ وانشرحَ". قالوا: فما علامةُ ذلك يا رسول الله؟ قال:"الإنابةُ إلى دار الخلود، والتَّجافي عن دار الغُرور، والاستعدادُ للموت قبل نُزولِهِ".
والنور الذي يدخُلُ القلب إنَّما هو من آثارِ المثل الأعلى؛ فلذلك ينفسحُ وينشرحُ، وإذا لم يكن فيه معرفة الله ومحبتُه؛ فحطُه الظُّلْمةُ والضِّيق.
فائدة
تأمَّلْ خطابَ القرآن، تجدْ ملكًا له الملك كلُّه وله الحمدُ كلُّه، أزِمَّةُ الأمور كلِّها بيدَيْه ومصدَرُها منه ومردُّها إليه، مستويًا على سرير ملكه، لا تخفى عليه خافيةٌ في أقطار مملكتِهِ، عالِمًا بما في نفوس عبيدِهِ، مُطَّلِعًا على إسرارِهِم وعلانِيَتِهِم، منفردًا بتدبير المملكة، يَسمعُ ويَرى،
(١) لم أجده في سنن الترمذي، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٤/ ٣١١) عن ابن مسعود، وسكت عنه، وتعقبه الذهبي بقوله: "عدي ساقط". وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (٩٦٥) وأطال في تخريجه وبيان طرقه.