للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعارضوا حكمَه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتهم الجائرة؛ فلا لربهم عَرفوا، ولا لمصالحهم حَصَّلوا. والله الموفق.

ومتى ظَفِر العبدُ بهذه المعرفة سَكنَ في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يُشبِه نعيمُها إلا نعيم جنة الآخرة؛ فإنه لا يزال راضيًا عن ربه، والرِّضَى جنةَ الدُّنيا ومُستَراحُ العارفين؛ فإنه طِيبُ النفس بما يَجري عليه من المقادير التي هي عين اختيار الله له وطمأنينتُها إلى أحكامه الدينية، وهذا هو الرِّضى بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولًا، وما ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ من لم يَحصُل له ذلك (١). وهذا الرِّضى هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسنِ اختياره؛ فكلَّما كان بذلك أعرفَ كان به أرضَى.

فقضاء الرب سبحانه في عبده دائرٌ بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة، لا يَخرُج عن ذلك البتة؛ كما قال في الدُّعاءِ المشهور: "اللهم! إنِّي عبدك، ابنُ عبدك، ابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألُك بكل اسم هو لك، سَمَّيتَ به نفسَك، أو أنزلتَه في كتابك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك: أن تجعلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاء حُزني، وذهابَ همّي وغمّي. ما قالها أحدٌ قطُّ إلَّا أذهبَ الله همَّهُ وغمَّهُ، وأبْدلهُ مكانَه فرحًا". قالوا: أفلا نتعلَّمُهنَّ يا رسول الله؟ قال: "بلى! ينبغي لمن سمعَهن أن يتعلمَهُنَّ" (٢)، والمقصود قوله: "عدلٌ فيَّ قضاؤك"، وهذا يتناول كل قضاءٍ يَقضِيه على عبده؛ من عقوبة، أو ألم، وسبب ذلك؛


(١) إشارة إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (٣٤) عن العباس.
(٢) تقدم تخريجه (ص ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>