يتكبْر ولم يغضبْ لها ولم يحسُدْ أحدًا على ما آتاه الله؛ فإن الحسد في الحقيقة نوعٌ من معاداة الله؛ فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله، ويُحِبّ زوالَها عنه والله يكره ذلك؛ فهو مضادٌّ لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته، ولذلك كان إبليس عدوَّه حقيقةً؛ لأنَّ ذنبه كان عن كبر وحسد.
فقلْعُ هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده والرضى به وعنه والإنابة إليه.
وقَلْع الغضب بمعرفة النفس وأنها لا تَستحقُّ أن يغضب لها وينتقم لها؛ فإن ذلك إيثارٌ لها بالرضى والغضب على خالقها وفاطرها. وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يُعوِّدها أن تَغضَب له سبحانه وترضى له؛ فكلما دخلها شيءٌ من الغضب والرضى له خرجَ منها مقابله من الغضب والرِّضى لها، وكذا بالعكس.
أما الشهوةُ فدواؤها صحة العلم والمعرفة بأن إعطاءها شهواتِها أعظمُ أسباب حرمانها إياها ومنعها منها، وحِمْيتها أعظم أسباب اتصالها إليها؛ فكلما فتحتَ عليها بابَ الشهوات كنتَ ساعيًا في حرمانها إياها، وكلما أغلقتَ عنها ذلك الباب كنتَ ساعيًا في إيصالها إليها على أكمل الوجوه.
فالغضب مثل السَّبُع؛ إذا أفلتَه صاحبُه بدأ بأكله، والشهوة مثل النار، إذا أضرمها صاحبها بدأتْ بإحراقه، والكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه؛ فإن لم يُهلِكْك طردَك عنه، والحسد بمنزلة معاداة من هو أقدر منك.
والذي يَغلِبُ شهوتَه وغضبَه يَفْرَقُ الشيطانُ من ظله، ومن تَغلِبه شهوتُه وغضبُه يَفرَقُ من خياله.