وقوله: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)﴾ [النجم: ٤٢] متضمن لكنز عظيم، وهو أن كل مراد إن لم يُرَدْ لأجله ويتصلْ به فهو مضمحل منقطع؛ فإنه ليس إليه المنتهى، وليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت إليه الأمور كلها، فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه؛ فهو غاية كل مطلوب، وكل محبوبٍ لا يُحَبُّ لأجله فمحبته عَناءٌ وعذابٌ، وكل عمل لا يُراد لأجله فهو ضائع وباطل، وكل قلب لا يصل إليه فهو شقيٌّ محجوبٌ عن سعادته وفلاحه.
فاجتمع ما يُراد منه كله في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾، واجتمع ما يُراد له كله في قوله: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)﴾؛ فليس وراءه سبحانه غاية تُطلَب، وليس دونه غايةٌ إليها المنتهى.
وتحت هذا سرٌّ عظيم من أسرار التوحيد، وهو أن القلب لا يستقر ولا يطمئنُّ ويَسكُن إلا بالوصول إليه، وكل ما سواه مما يُحَبّ ويُراد فمرادٌ لغيره، وليس المراد المحبوب لذاته إلا واحدٌ إليه المنتهى، ويستحيل أن يكون المنتهى إلى اثنين؛ كما يستحيل أن يكون ابتداءُ المخلوقات من اثنين.
فمن كان انتهاء محبته ورغبته وإرادته وطاعته إلى غيره بطلَ عليه ذلك، وزال عنه وفارقه أحوجَ ما كان إليه، ومن كان انتهاء محبته ورغبته ورهبته وطلبه هو سبحانه ظفِرَ بنعيمه ولذته وبهجته وسعادته أبدَ الآباد.
العبد دائمًا متقلبٌ بين أحكام الأوامر وأحكام النوازل؛ فهو محتاجٌ -بل مضطرٌّ- إلى العون عند الأوامر وإلى اللطف عند النوازل، وعلى قدر قيامه بالأوامر يحصل له من اللطف عند النوازل؛ فإن كمل