للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الرسلُ ودلَّ عليه القرآنُ والسنةُ وسائرُ كتب الله تعالى. وهذا في الحقيقة إنكارٌ للمعاد، وموافقةٌ لقول من أنكره من المكذِّبين؛ فإنهم لم ينكروا قدرة الله على خلق أجسامٍ أُخَرَ غير هذه الأجسام يعذِّبها وينعِّمُها؛ كيف وهم يشهدون النوعَ الإنسانيَّ يُخْلَقُ شيئًا بعد شيءٍ؛ فكلَّ وقتٍ يَخْلُقُ الله سبحانه أجسامًا وأرواحًا غيرَ الأجسامِ التي فَنِيَتْ؛ فكيف يتعجَّبون من شيءٍ يُشاهدونَه عِيانًا؟! وإنما تعجَّبوا من عَوْدِهم بأعيانِهِم بعد أن مَزَّقَهُمُ البِلَى وصاروا عظامًا ورُفاتًا، فتعجَّبوا أن يكونوا هم بأعيانهم مبعوثينَ للجزاء، ولهذا قالوا: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦)[الصافات: ١٦]، وقالوا: ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)[ق: ٣]. ولو كان الجزاءُ إنما هو لأجسامٍ غير هذه؛ لم يكن ذلكِ بعثًا ولا رجعًا، بل يكونُ ابتداءً، ولم يكن لقولِهِ: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ [ق: ٤] كبيرُ معنًى؛ فإنه سبحانه جعل هذا جوابًا لسؤالٍ مقدَّرٍ، وهو أنه يُميِّزُ تلك الأجزاء التي اختلطت بالأرض واستحالت إلى العناصر بحيث لا تتميَّزُ، فأخبر سبحانه أنه قد علم ما تَنْقُصُهُ الأرضُ من لُحومهم وعِظامهم وأشعارهم، وأنَّه كما هو عالمٌ بتلك الأجزاء؛ فهو قادرٌ على تَحْصيلها وجَمْعِها بعد تفرُّقِها وتأليفِها خلقًا جديدًا.

وهو سبحانَه يُقرِّرُ المعادَ بذِكْرِ كمالِ علمِهِ وكمالِ قُدرتِهِ وكمالِ حكمتِهِ؛ فإنَّ شُبَه المُنكِرين له كلَّها تعودُ إلى ثلاثةِ أنواع:

أحدها: اختلاطُ أجزائِهِم بأجزاءِ الأرض على وجهٍ لا يتميَّزُ ولا يحصُلُ معه (١) تميُّزُ شخصٍ عن شخصٍ!


(١) في الأصل: "معها".

<<  <  ج: ص:  >  >>