للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول من قال: "إن المطلوب بالنهي فعل الضِّدِّ" ليس كذلك؛ فإن المقصود عدم الفعل والتلبس بالضِّد (١)؛ فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو غير مقصود بالقصد الأوَّل، وإن كان المقصود بالقصد الأول المأمور الذي نهي عما يمنعه ويضعفه؛ فالمنهي عنه مطلوبٌ إعدامه طلبَ الوسائل والذرائع، والمأمور به مطلوبٌ إيجاده طلبَ المقاصد والغايات.

وقولُ أبي هاشم: "إن تارك القبائح يُحمَد وإن لم يخطر بباله كفُّ النفس"، فإن أراد بحمده أن لا يُذَمَّ فصحيحٌ، وإن أراد أن يُثنى عليه بذلك ويُحمَد عليه ويَستحقَّ الثوابَ فغيرُ صحيح؛ فإن الناس لا يَحمدون المجبوب على ترك الزِّنى ولا الأخرس على عدم الغيبة والسبّ، وإنما يَحمدون القادر الممتنع عن قدرةٍ وداعٍ إلى الفعل.

وقولُ القاضي: "الإبقاءُ على العدم الأصلي مقدورٌ"، فإن أراد به كفَّ النفس ومنعها فصحيحٌ، وإن أراد مجرَّدَ العدم فليس كذلك.

وهذا يتبيَّنُ بالوجه الثالث عشر: وهو أن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضدِّه من طريق اللُّزوم العقلي لا القصد الطلبي؛ فإن الآمر إنما مقصوده فعل المأمور؛ فإذا كان من لوازمه ترك الضد صار تركه مقصودًا لغيره. وهذا هو الصوابُ في مسألة الأمر بالشي؛ هل هو نهيٌ عن ضدِّه أم لا؟ فهو نهيٌ عنه من جهة اللُّزوم لا من جهة القصد والطلب. وكذلك النهي عن الشي؛ مقصود الناهي بالقصد الأوَّل الانتهاءُ عن المنهي عنه، وكونه


= يرتقى بها إلى الصحة.
(١) في الأصل: "بالضدين".

<<  <  ج: ص:  >  >>