للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالكيِّسُ يَقطعُ من المسافة بصحة العزيمة وعلوِّ الهمَّةِ وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعافَ أضعافِ ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر المُشِقّ؛ فإن العزيمة والمحبة تُذهِب المشقة وتُطيِّب السيرَ، والتقدمُ والسبقُ إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة، فيتقدمُ صاحبُ الهمة مع سكونه صاحبَ العمل الكثير بمراحل؛ فإن ساواه في همته تقدم عليه بعمله.

وهذا موضعٌ يحتاجُ إلى تفصيل يوافق فيه الإسلام الإحسان:

فأكمل الهدي هديُ رسول الله ، وكان موفِّيًا كلَّ واحدٍ منهما حقَّه؛ فكان مع كماله وإرادته وأحواله مع الله يقومُ حتى تَرِمَ قدماهُ، ويصوم حتى يُقال: لا يُفطِرُ، ويجاهدُ في سبيل الله، ويُخالِط أصحابه ولا يَحتجِبُ عنهم، ولا يترك شيئًا من النوافل والأوراد لتلك الواردات التي تَعجِزُ عن حملها قُوى البشر.

والله تعالى أمر عباده أن يقوموا بشرائع الإسلام على ظواهرهم وحقائق الإيمان على بواطنهم، ولا يقبل واحدًا منهما إلا بصاحبه وقرينه.

وفي "المسند" مرفوعًا: "الإسلام علانيةٌ والإيمانُ في القلب" (١).

فكل إسلام ظاهرٍ لا يَنفُذُ صاحبُه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة فليس بنافع حتى يكون معه شيءٌ من الإيمان الباطن، وكل حقيقة باطنة


(١) أخرجه أحمد (٣/ ١٣٤) عن أنس. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (١/ ٥٧): رجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأَبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين، وضعفه آخرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>