وصعُبَ على هؤلاء الجمعُ بين العدل وبين القدر، فزعموا أنَّ من أثبت القدر لم يُمكِنْهُ أن يقول بالعدل، ومن قال بالعدل لم يُمكِنْهُ أن يقول بالقدر! كما صعب الجمعُ بين التوحيد وإثبات الصفات، فزعموا أنه لا يُمكِنُهم إثباتُ التوحيد إلا بإنكار الصفات! فصار توحيدهم تعطيلًا، وعدلهم تكذيبًا بالقدر!!
وأما أهلُ السُّنَّة فهم مُثبتون للأمرين، والظُّلم عندهم هو وَضْعُ الشيءِ في غير موضعه؛ كتعذَيب المطيع ومن لا ذَنْبَ لهُ، وهذا قد نزَّه الله نفسه عنه في غير موضع من كتابه.
وهو سبحانه وإن أضلَّ من شاء، وقَضَى بالمعصية والغَيِّ على من شاء؛ فذلك محضُ العدل فيه، لأنَّه وضع الإضلال والخذلان في موضعه اللائق به. كيف ومن أسمائه الحُسنى العَدْلُ، الذي كلُّ أفعاله وأحكامه سدادٌ وصوابٌ وحقٌّ؟!
وهو سبحانه قد أوضح السُّبُلَ، وأرسل الرُّسُلَ، وأنزل الكتب، وأزاح العلل، ومكَّن من أسباب الهداية والطاعة بالأسماع والأبصار والعقول. وهذا عدلُه. ووفَّقَ من شاء بمزيد عنايةٍ، وأراد من نفسه أن يعينه ويوفِّقَه. فهذا فضلُه. وخَذَلَ من ليس بأهلٍ لتوفيقه وفضله، وخلَّى بينه وبين نفسه، ولم يُرِدْ سبحانه من نفسه أن يوفِّقَهُ، فقطع عنه فضله ولم يَحرِمْه عدله. وهذا نوعان:
أحدُهما: ما يكون جزاءً منه للعبد على إعراضه عنه، وإيثار عدُوِّه في الطاعة والموافقة عليه، وتناسى ذِكره وشكره، فهو أهلٌ أن يخذُلَهُ ويتخلَّى عنه.
والثاني: أن لا يشاءَ له ذلك ابتداءً؛ لما يَعلمُ منه أنه لا يعرف قدر