للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الله. فإيصالُ العبدِ بتحقيق هاتين المعرفتين علمًا وحالًا، وانقطاعُهُ بفواتهما.

وهذا معنى قولهم: من عرفَ نفسه عَرفَ ربه (١)؛ فإنه من عرف نفسه بالجهل والظُّلْم والعيب والنقائص والحاجة والفقر والذُّلِّ والمسكنة والعدم؛ عرف ربَّه بضدِّ ذلك، فوقف بنفسه عند قدرها، ولم يَتعدَّ بها طورَها، وأثنى على ربِّه ببعض ما هو أهله، وانصرفتْ قوة حُبِّهِ وخشيته ورجائه وإنابته وتوكُّله إليه وحدَه، وكان أحبَّ شيءٍ إليه وأخوفَ شيء عنده وأرجاه له، وهذا هو حقيقةُ العبودية. والله المستعانُ.

ويُحكى أن بعض الحكماء كتب على باب بيته: إنه لن يَنتفع بحكمتنا إلَّا من عرف نفسَه ووقف بها عند قدرها؛ فمن كان كذلك فليدخُلْ، وإلَّا فليرجِعْ حتى يكون بهذه الصفة.

فصل

الصبرُ على الشهوة أسهلُ من الصبر على ما تُوجِبُهُ الشهوةُ؛ فإنها إما أن توجب ألمًا وعقوبةً، وإمّا أن تقطع لذَّةً أكملَ منها، وإما أن تُضيِّع وقتًا إضاعتُهُ حسرةٌ وندامةٌ، وإما أن تَثْلم عِرضًا توفيرُهُ أنفعُ للعبد من ثَلمِه، وإما أن تُذهِبَ مالًا بقاؤُهُ خيرٌ له من ذهابه، وإما أن تضع قدرًا وجاهًا قيامُهُ خيرٌ من وضعه، وإما أن تَسْلُب نعمةً بقاؤها ألذُّ وأطيبُ من قضاء الشهوة، وإما أن تُطرِّق لوضيعٍ إليك طريقًا لم يكن يجدُها قبل ذلك، وإما أن تَجلِب همًّا وغمًّا وحزنًا وخوفًا لا يقاربُ لذَّةَ الشهوة، وإمَّا أن


(١) لا يُعرف مرفوعًا، وإنما يُحكى عن يحيى بن معاذ الرازي من قوله. انظر "المقاصد الحسنة" (ص ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>