للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من لا يبالي بحملها ولا تُثقِله ولا يَكترِثُ بها، فتولَّاها دونه، وأراه لطفَه وبِرَّهُ ورحمته وإحسانه فيها؛ من غير تعب من العبد ولا نَصَبٍ ولا اهتمام منه؛ لأنَّه قد صرف اهتمامه كله إليه، وجعله وحده همه، فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه، وفرَّغ قلبه منها؛ فما أطيبَ عيشَه! وما أنعمَ قلبَه وأعظمَ سرورَه وفرحَه!.

وإن أبى إلا تدبيرَه لنفسه، واختيارَه لها، واهتمامَه بحظِّه، دون حقِّ ربه؛ خلَّاه وما اختاره، وولَّاه ما تولى، فحضره الهمُّ والغمُّ والحزن والنكَدُ والخوف والتعب وكسفُ البال وسوءُ الحال؛ فلا قلبَ يصفو، ولا عملَ يزكو، ولا أملَ يحصل، ولا راحةَ يفوزُ بها، ولا لذةَ يتهنَّأُ بها، بل قد حِيْلَ بينه وبين مسرَّته وفرحه وقرَّة عينه؛ فهو يَكدَحُ في الدنيا كَدْحَ الوحشِ، ولا يظفر منها بأمل، ولا يَتزوَّدُ منها لمعادٍ.

والله سبحانه قد أمر العبد بأمر، وضَمِنَ له ضمانًا؛ فإن قام بأمره بالنُّصح والصدق والإخلاص والاجتهاد؛ قام الله سبحانه له بما ضمنه له من الرزق والكفاية والنصر وقضاء الحوائج؛ فإنه سبحانه ضَمِنَ الرزقَ لمن عبده، والنصرَ لمن توكل عليه واستنصر به، والكفايةَ لمن كان هو همَّه ومرادَه، والمغفرةَ لمن استغفرهُ، وقضاءَ الحوائج لمن صدقه في طلبها ووَثِقَ به وقوي رجاؤهُ وطمعُه في فضله وجودِهِ؛ فالفَطِنُ الكيِّسُ إنما يَهتمُّ بأمره وإقامته وتوفيقه لا بضمانه؛ فإنه الوفيُّ الصادقُ، ومن أوفى بعهده من الله؟! فمن علامات السعادة صرفُ اهتمامه إلى أمر الله دون ضمانه، ومن علامات الحرمان فراغُ قلبه من الاهتمام بأمره وحبه وخشيته والاهتمام بضمانه.

والله المستعانُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>