للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت؛ فلو تمزَّق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبَّدْ بالأمرِ وظاهر الشرع لم يُنْجِهِ ذلك من النار؛ كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقةُ الإيمان لم يُنجِه ذلك من النار.

وإذا عُرف هذا فالصادقون السائرون إلى الله والدار الآخرة قسمان:

قسمٌ صَرَفوا ما فضلَ من أوقاتهم بعد الفرائض إلى النوافل البدنيَّة وجعلوها دأبهم؛ من غير حرص منهم على تحقيق أعمال القلوب ومنازلها وأحكامها، وإن لم يكونوا خالين من أصلها، لكن هِمَمَهم مصروفةٌ إلى الاستكثار من الأعمال.

وقسمٌ صرفوا ما فضَلَ عن الفرائض والسنن إلى الاهتمام بصلاح قلوبهم وعكوفها على الله وحده والجمعية عليه وحفظ الخواطر والإرادات معه، وجعلوا قوة تعبُّدهم بأعمال القلوب من تصحيح المحبة والخوف والرجاء والتوكُّل والإنابة، ورأوا أن أيسر نصيبٍ من الواردات التي تَرِدُ على قلوبهم من الله أحبُّ إليهم من كثير من التطوعات البدنيَّة؛ فإذا حصل لأحدهم جمعيةٌ وواردُ أُنسِ أو حبٍّ أو اشتياقٍ أو انكسارٍ وذُلٍّ؛ لم يَستبدلْ به شيئًا سواه البتة؛ إلَّا أنْ يجيء الأمرُ، فيُبادر إليه بذلك الوارد إن أمكنه، وإلَّا بادرَ إلى الأمر ولو ذهب الوارد؛ فإذا جاءت النوافل فها هنا معتركُ التردُّد؛ فإن أمكن القيام إليها به فذاك، وإلَّا نظرَ في الأرجح والأحبِّ إلى الله؛ هل هو القيامُ إلى تلك النافلة ولو ذهب واردُهُ؛ كإغاثة الملهوف وإرشاد ضالٍّ وجَبْر مكسورِ واستفادة إيمانٍ ونحو ذلك؛ فها هنا ينبغي تقديم النافلة الراجحة، ومتى قدَّمها لله رغبةً فيه وتقرُّبًا إليه فإنَّه يَرِدُ عليه ما فات من واردِهِ أقوى مما كان في وقتٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>