فالله سبحانه أخبر -وهو الصادق الوفيُّ- أنه إنما يُعامل الناسَ بكسبهم، ويُجازيهم بأعمالهم، ولا يَخاف المحسنُ لديه ظلمًا ولا هَضْمًا، ولا يخاف بخسًا ولا رَهَقًا، ولا يُضيّع عملَ محسن أبدًا، ولا يُضيّع على العبد مثقالَ ذرة ولا يَظلمها ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)﴾ [النساء: ٤٠]، وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها ولا يُضيعها عليه، وأنه يجزي بالسيئة مثلها ويُحبِطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب، ويَجزي بالحسنة عشرَ أمثالها ويُضاعفها إلى سبع مئة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرة، وهو الذي أصلح الفاسدين، وأقبل بقلوب المعرضين، وتاب على المذنبين، وهَدى الضالين، وأنقذ الهالكين، وعلَّم الجاهلين، وبصَّر المتحيرين، وذكّر الغافلين، وآوى الشاردين، وإذا أوقع عقابًا أوقعه بعد شدة التمرد والعتوّ عليه ودعوة العبد إلى الرجوع إليه والإقرار بربوبيته وحقه مرة بعد مرة، حتى إذا أيِسَ من استجابته والإقرار بربوبيته ووحدانيته؛ أخذه ببعض كفره وعتوه وتمرده؛ بحيث يَعذِرُ العبدُ من نفسه ويعترف بأنه سبحانه لم يظلمه وأنه هو الظالم لنفسه.
كما قال تعالى عن أهل النار: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)﴾ [الملك: ١١].
وقال عمن أهلكهم في الدنيا: إنهم لما رأوا آياته وأحسوا بعذابه قالوا: ﴿يَاوَيلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (١٥)﴾ [الأنبياء: ١٤ - ١٥].
وقال أصحاب الجنة التي أفسدها عليهم لما رأوها قالوا: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩)﴾ [القلم: ٢٩].