نَفَّذَهُ سبحانَه مضى فيه، وإن لم يُنَفِّذْهُ انْدَفَعَ عنه.
فهو سبحانه يُمضيِ (١) ما يقضي به، وغيرُه قد يَقضي بقضاءٍ ويُقدِّرُ أمرًا ولا يستطيعُ تنفيذه، وهو سبحانه يَقْضي ويُمْضي؛ فله القضاءُ والإمضاءُ.
وقولُه:"عدلٌ فيَّ قضاؤُكَ": يتضمَّنُ جميعَ أقضيتِه في عبدِهِ من كلِّ الوجوهِ؛ من صحةٍ وسُقْم، وغنًى وفقرٍ، ولذةٍ وألم، وحياةٍ وموتٍ، وعقوبةٍ وتجاوزٍ وغير ذلك؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠]، وقال: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (٤٨)﴾ [الشورى: ٤٨]؛ فكلُّ ما يقضي على العبد فهو عدلٌ فيه.
فإن قيلَ: فالمعصيةُ عندكم بقضائِهِ وقدَرِهِ؛ فما وجهُ العدل في قضائِها؛ فإنَّ العدلَ في العقوبة عليها ظاهر؟!
قيلَ: هذا سؤالٌ له شأنٌ، ومن أجلِهِ:
زعمتْ طائفةٌ أنَّ العدلَ هو المقدورُ، والظلمَ ممتنعٌ لذاتِهِ. قالوا: لأن الظُّلْمَ هو التصرفُ في مُلْكِ الغير، والله له كل شيءٍ؛ فلا يكونُ تصرُّفُهُ في خلْقِهِ إلا عدلًا!
وقالتْ طائفةٌ: بل العدلُ أنه لا يُعاقِبُ على ما قضاهُ وقدَّرَهُ، فلما حَسُنَ منه العقوبة على الذنبِ عُلِمَ أنه ليس بقضائه وقدره فيكون العدلُ هو جزاؤه على الذنبِ بالعقوبَة والذَّمِّ، إما في الدُّنيا وإما في الآخرة!