للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالسببِ المَنْويِّ به القُرْبَةُ.

والذي يُحقِّقُ التوكُّلَ القيامُ بالأسباب المأمورِ بها: فمن عَطَّلَها لم يَصِحَّ توكُّلُه؛ كما أنَّ القيام بالأسباب المُفضِية إلى حصول الخير يُحقِّقُ رجاءه؛ فمن لم يَقُمْ بها كان رجاؤه تمنِّيًا؛ كما أنَّ من عَطَّلها يكونُ توكُّلُه عجزًا وعجزُه توكُّلًا.

وسرُّ التوكُّل وحقيقتهُ هو اعتمادُ القلب على الله وحدَه: فلا يَضُرُّهُ مباشرةُ الأسباب؛ مع خلوِّ القلب من الاعتماد عليها والركونِ إليها، كما لا ينفعه قوله: توكَّلْتُ على الله؛ مع اعتمادِه على غيره ورُكونِه إليه وثقتِه به. فتوكُّلُ اللسانِ شيءٌ، وتوكلُ القلب شيءٌ؛ كما أن توبة اللسان مع إصرار القلب شيءٌ، وتوبة القلب وإن لم يَنطِق اللسانُ شيءٌ. فقول العبد: توكلتُ على الله مع اعتماد قلبِه على غيره مثلُ قولهِ: تُبتُ إلى الله وهو مُصِرٌّ على معصيته مرتكبٌ لها.

فائدة

الجاهلُ يشكو الله إلى الناس، وهذا غايةُ الجهل بالمشكُوِّ والمشكُوِّ إليه؛ فإنَّه لو عرف ربَّه لما شكاهُ، ولو عرفَ الناسَ لما شكَا إليهم.

ورأى بعضُ السلف رجلًا يشكو إلى رجلٍ فاقتَه وضرورتَه، فقال: يا هذا! واللهِ ما زدتَ على أن شكوتَ من يَرحمك إلى من لا يَرحمك.

وفي ذلك قيل:

وإذا شكوتَ إلى ابْنِ آدم إنَّما … تَشكُو الرَّحيمَ إلى الَّذي لا يَرحَمُ (١)


(١) البيت لزين العابدين في الكشكول (ص ١٥٤)، ولبعض الشعراء في عيون =

<<  <  ج: ص:  >  >>