للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فراشِه وروحُه عند سدرة المنتهى تجول حول العرش، وآخرُ واقفٌ في الخدمة ببدنِه وروحُه في السفل تجول حول السفليات.

فإذا فارقت الروحُ البدنَ التحقتْ برفيقها الأعلى أو الأدنى؛ فعند الرفيق الأعلى كلُّ قرةِ عين وكلُّ نعيم وسرور وبهجة ولذة وحياة طيبة، وعند الرفيق الأسفل كلُّ همّ وغمّ وضيق وحزن وحياة نكِدةٍ ومعيشة ضَنْكٍ.

قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤]؛ فذِكْره كلامه الذي أنزله على رسوله، والإعراض عنه ترك تدبره والعملِ به، والمعيشة الضنك فأكثر ما جاء في التفسير: أنها عذاب القبر. قاله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابنُ عباس (١)، وفيه حديث مرفوع (٢)، وأصل الضنك في اللغة الضيق والشدة، وكل ما ضاقَ فهو ضَنْكٌ، يقال: منزلٌ ضنكٌ وعيشٌ ضنك؛ فهذه المعيشة الضنك في مقابلة التوسيع على النفس والبدن بالشهوات واللذات والراحة؛ فإن النفس كلما وسّعت عليها ضيَّقت على القلب حتى تصير معيشةً ضنكا، وكلما ضيَّقت عليها وسَّعت على القلب حتى ينشرحَ وينفسحَ؛ فضنك المعيشة في الدنيا بموجب التقوى سعتها في البرزخ والآخرة، وسعة المعيشة في الدنيا بحكم الهوى ضَنْكها في البرزخ والآخرة.

فآثِرْ أحسَن المعيشتين وأطيَبهما وأدومَهما! وأَشْقِ البدنَ بنعيم الروح


(١) انظر تفسير الطبري (١٦/ ١٩٦) والدر المنثور (١٠/ ٢٥٥).
(٢) أخرجه ابن حبان (٣١١٩) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>