وتأمَّلْ ما تضمَّنته هذه الآية من ذمِّه، وذلك من وجوهٍ:
أحدُها: أنه ضَلَّ بعد العلم، واختار الكفرَ على الإيمان عمدًا لا جهلًا.
وثانيها: أنه فارق الإيمان مفارقةَ من لا يعود إليه أبدًا؛ فإنه انسلخ من الآيات بالجملة كما تنسلخُ الحيَّةُ من قِشْرِها، ولو بقي معه منها شيءٌ لمَ ينسلِخْ منها.
وثالثُها: أنَّ الشيطان أدْرَكهُ ولحقهُ بحيثُ ظَفِرَ به وافترسَهُ، ولهذا قال تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيطَانُ﴾، ولم يقلْ: تبعهُ؛ فإنَّ في معنى ﴿فَأَتْبَعَهُ﴾ أدركه ولَحِقَه، وهو أبلغ من (تبِعَهُ) لفظًا ومعنى.
رابعُها: أنَّه غَوَى بعد الرُّشد، والغيُّ: الضَّلالُ في العلم والقصد، وهو أخصُّ بفساد القصد والعمل؛ كما أنَّ الضَّلال أخصُّ بفساد العلم والاعتقاد؛ فإذا أُفرِدَ أحدُهما دخلَ فيه الآخرُ، وإن اقترنا فالفرقُ ما ذُكِر.
وخامسُها: أنَّه سبحانه لم يشأ أن يرفعهُ بالعلم، فكان سبب هلاكه؛