للشَّهوات لم يتمَّ له ذلك إلا بدفع ما يضادُّه من الحقِّ، ولا سيَّما إذا قامت له شبهةٌ، فتتَّفقُ الشبهةُ والشهوةُ، ويَثُورُ الهوى، فيَخفَى الصوابُ، ويَنطمِسُ وجهُ الحقِّ! وإن كان الحقُّ ظاهرًا لا خفاءَ به ولا شبهةَ فيه أقدمَ على مخالفته، وقال: لي مَخرجٌ بالتوبة.
وفي هؤلاء وأشباههم قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ [مريم: ٥٩].
فأخبر سبحانه أنهم أخذوا العرضَ الأدنى مع علمهم بتحريمه عليهم، وقالوا: سيُغفَر لنا! وإن عَرضَ لهم عرضٌ آخُر أخذوه؛ فهم مُصِرُّون على ذلك، وذلك هو الحامل لهم على أن يقولوا على الله غير الحقِّ، فيقولون: هذا حكمه وشرعه ودينُهُ! وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خلافُ ذلك، أوْ لا يعلمون أن ذلك دينُهُ وشرعُهُ وحكمُهُ! فتارةً يقولون على الله ما لا يعلمون، وتارةً يقولون عليه ما يعلمون بطلانه!
وأمَّا الذين يتَّقون فيعلمون أنَّ الدار الآخرة خيرٌ من الدُّنيا، فلا يَحمِلُهم حبُّ الرئاسة والشهوة على أن يُؤثِروا الدُّنيا على الآخرة. وطريقُ ذلك أن يتمسكوا بالكتاب والسُّنَّة، ويستعينوا بالصبر والصلاة، ويتفكَّروا في الدُّنيا وزوالها وخسَّتها، والآخرةِ وإقبالِها ودوامِها.
وهؤلاء لا بدَّ أنَّ يبتدِعوا في الدين مع الفجور في العمل، فيجتمع لهم الأمران؛ فإنَّ اتِّباع الهوى يُعْمِي عينَ القلب؛ فلا يُميِّزُ بين السنة