للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فائدة

الربُّ تعالى يدعو عباده في القرآنِ إلى معرفتِهِ من طريقين: أحدُهما: النظرُ في مفعولاتِهِ. والثاني: التفكُّر في آياتِهِ وتدبُّرُها؛ فتلك آياتُهُ المشهودةُ، وهذه آياتُهُ المسموعةُ المعقولةُ.

فالنوع الأول: كقوله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ إلى آخرها [البقرة: ١٦٤] وقوله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِـ (١٩٠)[آل عمران: ١٩٠] وهو كثيرٌ في القرآنِ.

والثاني: كقوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ [النساء: ٨٢]، وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [المؤمنون: ٦٨]، وقولهِ: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: ٢٩]، وهو كثيرٌ أيضًا.

فأمّا المفعولاتُ فإنَّها دالَّةٌ على الأفعال، والأفعالُ دالَّةٌ على الصفات؛ فإنَّ المفعولَ يدلُّ على فاعلٍ فَعَلَه، وذلك يَستلزمُ وجودَه وقدرتَه ومشيئتَه وعلمَه؛ لاستحالة صدور الفعل الاختياريِّ من معدوم أو موجودٍ لا قدرة له ولا حياة ولا علم ولا إرادة.

ثم ما في المفعولات من التخصيصات المتنوِّعة دالٌّ على إرادة الفاعل وأنَّ فعله ليس بالطبع بحيثُ يكونُ واحدًا غير متكرر (١)، وما فيها من المصالح والحكم والغايات المحمودة دالٌّ على حكمته تعالى، وما فيها من النفع والإحسان والخير دالٌّ على رحمته، وما فيها من البطش والانتقام والعقوبة دالٌّ على غضبِهِ، وما فيها من الإكرام والتقريب


(١) في الأصل: "منكر".

<<  <  ج: ص:  >  >>