وأعرفُ العارفين من جعلَ شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس؛ فهو يَشكو من مُوجبات تسليطِ الناس عليه؛ فهو ناظرٌ إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠]، وقوله: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩]، وقوله: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥].
فالمراتبُ ثلاثةٌ: أخسُّها: أن تشكوَ الله إلى خلقه، وأعلاها: أن تشكوَ نفسَك إليه، وأوسطها: أن تشكو خلقه إليه.
أحدُها: أن الحياة النافعة إنما تَحصُلُ بالاستجابة لله ورسوله؛ فمن لم تَحصُلْ له هذه الاستجابةُ فلا حياةَ له، وإن كانت له حياةٌ بهيميَّهٌ مشتركةٌ بينه وبين أرذلِ الحيوانات.
فالحياةُ الحقيقيَّةُ الطيبةُ هي حياةُ من استجابَ لله والرسولِ ظاهرًا وباطنًا؛ فهؤلاء هم الأحياءُ وإن ماتوا، وغيرُهم أمواتٌ وإن كانوا أحياء الأبدانِ.