للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بشر بن الحارث: أهل الآخرة ثلاثةٌ: عابدٌ وزاهدٌ وصديقٌ؛ فالعابدُ يعبد الله مع العلائق، والزاهد يعبده على ترك العلائق، والصديق يعبده على الرضى والموافقة: إن أراه أَخْذَ الدُّنيا أخذَها، وإن أراه تَرْكَها تَرَكها.

إذا كان الله ورسوله Object في جانب؛ فاحذَرْ أن تكون من الجانب الآخر؛ فإن ذلك يُفضِي إلى المشاقَّة والمحادَّة، وهذا أصلها، ومنه اشتقاقها؛ فإن المشاقة أن يكون في شقٍّ ومن يخالفه في شقٍّ، والمحادَّة أن يكون في حدٍّ وهو في حدٍّ.

ولا تَستسهِلْ هذا؛ فإن مبادئه تَجُرُّ إلى غايته، وقليلُه يدعو إلى كثيره!

وكن في الجانب الذي فيه الله ورسوله Object، وإن كان الناسُ كلُّهم في الجانب الآخر؛ فإن لذلك عواقبَ هي أحمدُ العواقبِ وأفضلُها، وليس للعبد أنفع من ذلك في دنياه قبل آخرته.

وأكثر الخلق إنما يكونون من الجانب الآخر، ولا سيما إذا قَويت الرغبةُ والرهبة؛ فهناك لا تكاد تجد أحدًا في الجانب الذي فيه الله ورسوله، بل يَعدُّه الناس ناقصَ العقل سيئَ الاختيار لنفسه، وربما نسبوه إلى الجنون، وذلك من مواريث أعداء الرُّسل؛ فإنهم نسبوهم إلى الجنون لما كانوا في شقٍّ وجانبٍ والناسُ في شقٍّ وجانب آخر.

ولكن من وطَّن نفسَه على ذلك؛ فإنه يحتاج إلى علم راسخ بما جاء به الرسول يكون يقينًا له لا ريبَ عنده فيه، وإلى صبر تام على معاداة من عاداه ولومةِ من لامه، ولا يَتِمُّ له ذلك إلا برغبةٍ قوية في الله والدار الآخرة؛ بحيث تكون الآخرة أحبَّ إليه من الدنيا وآثرَ عنده منها، ويكون الله ورسوله Object أحبَّ إليه مما سواهُما.

<<  <  ج: ص:  >  >>