للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُضِلّهم ويُبطِل سعيَهم، وكذلك ضَمِنَ زيادة الهداية للمتقين الذين يتبعون رضوانه، وأخبر أنه لا يُضلُّ إلا الفاسقين الذين ينقضون عهده من بعد ميثاقه، وأنه إنما يُضلُّ من آثر الضلال واختاره على الهدى، فيطبع حينئذٍ على سمعه وقلبه، وأنه يُقلِّبُ قلبَ من لم يرضَ بهداه إذا جاءه ولم يؤمن به ودفعَه وردَّه، فيقلبُ فؤادَه وبصرَه عقوبةً له على ردِّه ودفعِه لما تحقَّقه وعَرفَه وأنه سبحانَه لو عَلِمَ في تلك المحالِّ التي حكم عليها بالضلال والشقاء خيرًا لأفهمَها وهداها، ولكنها لا تَصلُح لنعمته ولا تليق بها كرامته؛ وقد أزاح سبحانه العللَ وأقام الحججَ ومكَّن من أسباب الهداية، وأنه لا يُضلُّ إلا الفاسقين والظالمين، ولا يطبع إلا على قلوب المعتدين، ولا يُركِسُ في الفتنة إلَّا المنافقين بكسبهم، وأن الرينَ الذي غطَّى به قلوبَ الكفار هو عين كسبهم وأعمالهم؛ كما قال: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)[المطففين: ١٤]، وقال عن أعدائه من اليهود: ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥]، وأخبر أنه لا يُضلُّ من هداه حتى يُبين له ما يتقي، فيختار -لشقوته وسوء طبيعته- الضلالَ على الهدى والغيَّ على الرَّشاد ويكون مع نفسه وشيطانه وعدوِّ ربه عليه.

وأما المكر الذي وصفَ به نفسه؛ فهو مجازاتُهُ للماكرين بأوليائه ورسله، فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبحَ شيءٍ، ومنه أحسن شيءٍ؛ لأنه عدلٌ ومجازاةٌ. وكذلك المخادعة منه جزاءٌ على مخادعة رسله وأوليائه. فلا أحسن من تلك المخادعة والمكر.

وأما كون الرجل "يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها

<<  <  ج: ص:  >  >>