للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الخطراتِ والوساوسَ تُؤدِّي متعلقاتُها إلى الفكر، فيأخذها الفكر فيؤدِّيها إلى التذكُّر، فيأخذها الذِّكر فيؤدِّيها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة فتؤدِّيها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة، فردُّها من مبادئها أسهلُ من قطعها بعد قوتها وتمامها.

ومعلوم أنه لم يُعطَ الإنسانُ إماتةَ الخواطر ولا القوةَ على قطعها؛ فإنها تَهجُم عليه هجومَ النفس؛ إلَّا أن قوة الإيمان والعقل تُعِينُهُ على قبول أحسنها ورضاه به ومساكنته له، وعلى دَفْع أقبحها وكراهته له ونفرته منه؛ كما قال الصحابة: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يَحترِقَ حتى يصير حُمَمةً أحبُّ إليه من أن يتكلم به؟ فقال: "أوقد وجدتموه؟ ". قالوا: نعم. قال: "ذاك صريح الإيمان" (١). وفي لفظ: "الحمد لله الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسة" (٢).

وفيه قولان:

أحدهما: أن ردَّه وكراهته صريح الإيمان.

والثاني: أن وجوده وإلقاء الشيطان له في النفس صريح الإيمان؛ فإنه إنما ألقاهُ في النفس طلبًا لمعارضة الإيمان وإزالته به.

وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهةً بالرَّحى الدائرة التي لا تَسكُن ولا بد لها من شيء تطحنه؛ فإذا وُضع فيها حَبٌّ طحنتْه، وإن وُضع فيها ترابٌ أو حصى طحنتْه. فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي


(١) أخرجه مسلم (١٣٢) عن أبي هريرة.
(٢) أخرجه أحمد (١/ ٢٣٥، ٣٤٠) وأبو داود (٥١١٢) عن ابن عباس، وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>