وأما الزهدُ في الثناء والمدح فيُسهِّلُه عليك علمُك أنه ليس أحدٌ ينفعُ مدحُه وَيزِيْن ويَضرُّ ذمُّه وَيشينُ إلَّا الله وحده؛ كما قال ذلك الأعرابيُّ للنبي ﷺ: إن مدحي زَينٌ وَذمِّي شَينٌ. فقال:"ذلك الله ﷿"(١)؛ فازهد في مدح من لا يَزِينُك مدحه وفي ذمِّ من لا يَشِينك ذمُّهُ، وارغبْ في مدح مَن كلُّ الزين في مدحه وكل الشين في ذمِّه.
ولن تقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين؛ فمتى فقدتَ الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركبٍ.
فأشرفُ النَّاس نفسًا وأعلاهم همةً وأرفعهم قدرًا من لذَّتُهُ في معرفة الله ومحبَّته والشوق إلى لقائه والتودُّد إليه بما يحبُّه ويرضاه؛ فلذَّتُه في إقباله عليه وعكوف همَّته عليه. ودون ذلك مراتبُ لا يُحصيها إلَّا الله، حتى تنتهي إلى من لذَّتُهُ في أخسِّ الأشياء من القاذورات والفواحش في كلِّ شيءٍ من الكلام والفعال والأشغال؛ فلو عُرض عليه ما يلتذُّ به الأولُ لم تَسمَح نفسُه بقبوله ولا الالتفات إليه وربما تألَّمتْ من ذلك؛ كما أن
(١) أخرجه الترمذي (٣٢٦٧) من حديث البراء بن عازب. وقال: "هذا حديث حسن". وله شواهد يرتقي بها إلى الصحة.