للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه من نعيم الجنة وروحها أن آنسَهم بنفسه، وأقبل بقلوبهم إليه، وجمعها على محبته، وشوَّقهم إلى لقائه، ونعَّمهم بقربه، وفرَّغ قلوبهم مما ملأ قلوب غيرهم من محبة الدنيا والهم والحزن على فوتها والغمّ من خوف ذهابها، فاستلانوا ما استوعرَه المُترَفون، وأَنِسوا بما استوحش منه الجاهلون؛ صَحِبُوا الدنيا بأبدانهم، والملأَ الأعلى بأرواحهم.

فصل

التوحيد ألطفُ شيءٍ وأنزهه وأنظفه وأصفاه؛ فأدنى شيءٍ يَخدِشُه ويُدنِّسه ويُؤثر فيه؛ فهو كأبيض ثوبٍ يكون يُؤثر فيه أدنى أثر، وكالمرآة الصافية جدًّا أدنى شيءٍ يُؤثر فيها، ولهذا تُشوِّشه اللحظة واللفظة والشهوة الخفيَّة؛ فإن بادر صاحبه وقلعَ ذلك الأثرَ بضده، وإلَّا استحكمَ وصار طبعًا يتعسَّر عليه قلعُهُ.

وهذه الآثار والطبوع التي تحصُل فيه: منها ما يكون سريعَ الحصول سريعَ الزوال، ومنها ما يكون سريعَ الحصول بطيء الزوال، ومنها ما يكون بطيء الحصول سريع الزوال، ومنها ما يكون بطيء الحصول بطيء الزوال.

ولكن من الناس من يكون توحيده كبيرًا عظيمًا، يَنغمِرُ فيه كثيرٌ من تلك الآثار ويستحيل فيه، بمنزلة الماء الكثير الذي يخالطه أدنى نجاسة أو وَسَخ، فيغترُّ به صاحبُ التوحيد الذي هو دونه، فيَخلِط توحيده الضعيف بما خلط به صاحب التوحيد العظيم الكثير توحيده، فيظهر من تأثيره ما لم يظهر في التوحيد الكثير.

وأيضًا فإن المحل الصافي جدًّا يظهر لصاحبه مما يُدنَّسه ما لا يظهر في المحل الذي لم يبلغ في الصفاء مبلغه، فيتداركه بالإزالة دون هذا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>