للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحمدها عاقبةً، والنفوسُ الدنيئة تحومُ حولَ الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار.

فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة؛ لأنَّها أكبر من ذلك وأجلُّ، والنفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك.

فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: ٨٤]؛ أي: على ما يشاكله ويناسبه؛ فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعادته التي ألِفَها وجُبِلَ عليها؛ فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم، والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبته والثناء عليه والتودُّد إليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله.

فصل: من لم يَعرِف نفسَه كيف يَعرِف خالقَه؟

فاعلم أن الله تعالى خلق في صدرك بيتًا وهو القلب، ووضعَ في صدره عرشًا لمعرفته يستوي عليه المثل الأعلى؛ فهو مستوٍ على عرشه بذاته بائنٌ من خلقه، والمثل الأعلى من معرفته ومحبته وتوحيده مستوٍ على سرير القلب، وعلى السرير بِساطٌ من الرضى، ووضع عن يمينه وشماله مَرافقَ شرائعِه وأوامره، وفتَح إليه بابا من جنة رحمته والأنس به والشوق إلى لقائه، وأمطره من وابل كلامه ما أنبتَ فيه أصنافَ الرياحين والأشجار المثمرة من أنواع الطاعات والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس، وجعل في وسط البستان شجرة معرفة؛ فهي ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>