للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ [إبراهيم: ٢٥] من المحبة والإنابة والخشية والفرح به والابتهاج بقربه، وأجرى إلى تلك الشجرة ما يَسقِيها من تدبر كلامه وفهمه والعمل بوصاياهُ، وعلَّق في ذلك البيت قنديلًا أسرجَه بضياء معرفته والإيمان به وتوحيده؛ فهو يَستمِدُّ من ﴿شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ [النور: ٣٥]، ثم أحاط عليه حائطًا يمنعه من دخول الآفات والمفسدين ومن يؤذي البستان؛ فلا يلحقه أذاهم، وأقام عليه حرسًا من الملائكة يحفظونه في يقظته ومنامه، ثم أعلم صاحب البيت والبستان بالساكن فيه؛ فهو دائمًا همُّه إصلاح السكن ولمُّ شَعَثِه ليرضاه الساكن منزلًا، وإذا أحسَّ بأدنى شعث في السكن بادر إلى إصلاحه ولمّه خشيةَ انتقال الساكن منه؛ فنعم الساكن والمسكن.

فسبحان الله رب العالمين! كم بين هذا البيت وبيتٍ قد استولى عليه الخرابُ وصار مأوى للحشرات والهوامِّ ومحلًّا لإلقاء الأنتان والقاذورات فيه؛ فمن أراد التخلي وقضاء الحاجة وجد خربةً لا ساكن فيها ولا حافظ لها، وهي مُعدَّة لقضاء الحاجة، مظلمة الأرجاء، منتةُ الرائحة، قد عمَّها الخرابُ وملأتْها القاذوراتُ؛ فلا يأنس بها ولا يَنزِل فيها إلا من يناسبه سكناها من الحشرات والديدان والهوامِّ؛ الشيطان جالسٌ على سريرها، وعلى السرير بساطٌ من الجهل، وتَخفِقُ فيه الأهواء، وعن يمينه وشماله مَرافقُ الشهَوات واتباع الهوى، وقد فُتح إليه بابٌ من حَقْلِ الخذلان والوحشة والركونِ إلى الدنيا والطمأنينة بها والزهد في الآخرة، وأُمطِرَ من وابل الجهل والهوى والشرك والبدع ما أنبتَ فيه أصنافَ الشوك والحنظل والأشجار المثمرة بأنواع المعاصي والمخالفات، من الزوائد والتنديبات والنوادر والهزليات والمضحكات

<<  <  ج: ص:  >  >>