للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قال الجنيدُ: دخلتُ على شابٍّ فسألني عن التوبة؟ فأجبتُه، فسألني عن حقيقتها؟ فقلتُ: أن تَنصِبَ ذنبَك بين عينيك حتى يأتيك الموتُ. فقال لي: مه! ما هذا حقيقةَ التوبة. فقلتُ له: فما حقيقةُ التوبة عندك يا فتى؟! قال: أن تَنسَى ذنبك. وتركني ومضى. [فقال رجلٌ:] فكيف هو عندك يا أبا القاسم؟ فقلتُ: القولُ ما قال الفتى. قال: كيف؟ قلتُ: إذا كنتُ معه في حال، ثم نقلني من حال الجفاء إلى حال الوفاء؛ فذكري للجفاء في حال الوفاء جفاء (١).

فصل

لا يجتمع الإخلاصُ في القلب ومحبةُ المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلَّا كما يجتمع الماءُ والنار والضبُّ والحوتُ.

فإذا حدَّثتْك نفسُك بطلب الإخلاص فأقبِلْ على الطمع أولًا فاذبحْه بسكين اليأس، وأقبِلْ على المدح والثناء فازهد فيهما زهدَ عُشاق الدُّنيا في الآخرة؛ فإذا استقام لك ذبحُ الطمع والزُّهدُ في الثناء والمدح؛ سَهُلَ عليك الإخلاص.

فإن قلت: وما الذي يُسهِّل عليَّ ذبحَ الطمع والزهدَ في الثناء والمدح؟

قلت: أما ذبح الطمع فيُسهِّله عليك علمُك يقينا أنه ليس من شيء يُطمَع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنُهُ؛ لا يملكها غيره، ولا يؤتي العبدَ منها شيئًا سواهُ.


(١) انظر الحلية (١٠/ ٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>