وشُهودًا لمِنَّتِهِ عليه وتقصيرِهِ هو في أداءِ حقِّه؛ فهو مُسْتَحْي من مُواجَهتِهِ بتلك الخدمةِ؛ لعلمِهِ أنها دونَ ما يَستحقُّه عليه ودونَ دونِ ذلك، وأنَّه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونتِهِ؛ فهو مضطرٌّ إلى أنْ يَهدِيَهُ الصراطَ المستقيمَ الذي هَدى إليه أولياءَهُ وخاصَّتَهُ، وأن يُجنِّبَهُ الخروج عن ذلك الصراطِ: إما بفسادٍ في قوتِهِ العلميةِ فيقعُ في الضَّلال، وإما في قوتِهِ العمليةِ فيُوجِبُ له الغضبَ.
فكمالُ الإنسانِ وسعادتُهُ لا تَتِمُّ إلا بمجموع هذه الأمور، وقد تضمَّنَتْها سورةُ الفاتحة وانتظمتْها أكمل انتظام:
فإنَّ قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)﴾ [الفاتحة: ٢ - ٤] يتضمَّنُ الأصلَ الأول، وهو معرفةُ الربِّ تعالى ومعرفةُ أسمائِهِ وصفاتِه وأفعالِهِ. والأسماءُ المذكورةُ في هذه السورة هي أصولُ الأسماءِ الحسنى، وهي اسمُ اللهِ والربِّ والرحمن؛ فاسم الله متضمِّنٌ لصفات الألوهيَّةِ، واسمُ الربِّ متضمِّنٌ لصفاتِ الربوبيَّةِ، واسمُ الرحمن متضمِّنٌ لصفاتِ الإحسانِ والجودِ والبرِّ. ومعاني أسمائه تدورُ على هذا.
وقولُهُ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾ [الفاتحة: ٥] يتضمَّنُ معرفة الطريق المُوصِلةِ إليه، وأنها ليستْ إلَّا عبادتَهُ وحدَه بما يُحِبُّه ويرضاهُ واستعانتَهُ على عبادتِهِ.
وقولُهُ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾ [الفاتحة: ٦] يتضمَّن بيانَ أنَّ العبد لا سبيل له إلى سعادتِهِ إلا باستقامتِهِ على الصراطِ المستقيم، وأنَّه لا سبيلَ له إلى الاستقامةِ إلَّا بهداية ربِّه له؛ كما لا سبيلَ له إلى عبادتِهِ إلَّا بمعونتِهِ؛ فلا سبيلَ لهُ إلى الاستقامة على الصراط إلَّا بهدايتِهِ.