ورسوله، ولا يُعطي المخلوق في مخاطبته قلبَه ولبَّه ويعطي الله في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه، ولا يجعل مراد نفسه مقدمًا على مراد ربه، فهذا كله من عدم وقار الله في القلب. ومن كان كذلك فإن الله لا يُلقي له في قلوب الناس وقارًا ولا هيبة، بل يُسقِط وقارَه وهيبته من قلوبهم، وإن وقَّروه مخافةَ شره؛ فذاك وقارُ بغضٍ لا وقارُ حب وتعظيم.
ومن وقار الله أن يستحيي من اطلاعه على سِرِّه وضميره فيرى فيه ما يكره.
ومن وقاره أن يستحيي منه في الخلوة أعظم مما يستحيي من أكابر الناس.
والمقصود أن من لا يُوقِّر الله وكلامَه وما آتاه من العلم والحكمة كيف يَطلب من الناس توقيَره وتعظيمه؟!
القرآن والعلم وكلام الرسول ﷺ صلاتٌ من الحق وتنبيهاتٌ وروادعُ وزواجر واردةٌ إليك، والشيب زاجرٌ ورادعٌ وموقظٌ قائمٌ بك؛ فلا ما ورد إليك وعظك، ولا ما قام بك نصحك، ومع هذا تطلب التوقيرَ والتعظيم من غيرك!! فأنت كمصابٍ لم تؤثر فيه مصيبته وعظًا وانزجارًا، وهو يطلب من غيره أن يتعظ وينزجر بالنظر إلى مُصابه؛ فالضرب لم يُؤثِّر فيه زجرًا، وهو يريد الانزجار ممن نظر إلى ضربه!!
من سمع بالمَثُلات والعقوبات والآيات في حق غيره ليس كمن رآها عيانًا في غيره؛ فكيف بمن وجدها في نفسه؟! ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [فصلت: ٥٣]؛ فآياته في الآفاق مسموعة معلومة، وآياته في النفس مشهودة مرئية؛ فعياذًا بالله من الخذلان.