فالطالب الصادق في طلبه كلما خَرِبَ شيءٌ من ذاته، جعله عمارةً لقلبه وروحه، وكلما نقص شيءٌ من دنياهُ جعله زيادةً في آخرته، وكلما مُنِعَ شيئًا من لذات دنياه جعله زيادة في لذات آخرته، وكلما ناله همٌّ أو حزن أو غم جعله في أفراح آخرته؛ فنقصان بدنه ودنياه ولذته وجاهه ورئاسته: إن زاد في حصول ذلك وتوفيره عليه في معاده كان رحمةً به وخيرًا له، وإلَّا كان حرمانًا وعقوبة على ذنوب ظاهرةٍ أو باطنةٍ أو ترك واجب ظاهرٍ أو باطن؛ فإن حرمانَ خيرِ الدنيا والآخرة مرتَّبٌ على هذه الأربعة. وبالله التوفيق.
فائدة
الناس منذ خُلِقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حطٌّ عن رحالهم إلا في الجنة أو النار.
والعاقل يعلم أن السفر مبنيٌّ على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادةً أن يُطلَب فيه نعيمٌ ولذَّةٌ وراحةٌ، إنما ذاك بعد انتهاء السفر، ومن المعلوم أن كل وطأةِ قَدَمٍ أو كل آنٍ من آناتِ السفر غير واقفةٍ، ولا المكلف واقفٌ، وقد ثبت أنه مسافرٌ على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل، وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدمِ الاستعداد للسير.
(١) أخرجه أحمد (٥/ ٤٠، ٤٣) والترمذي (٢٣٣٠) عن أبي بكرة. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.