من أعوذُ بِهِ وألوذُ به غير سيِّدي الذي أنا عبدُه.
وفي ضِمْنِ ذلك الاعتراف بأنَّه مربوبٌ، مُدَبَّرٌ، مأمورٌ، منهيٌّ، إنَّما يتصرفُ بحُكم العبوديَّة لا بحكم الاختيار لنفسه؛ فليس هذا شأنَ العبدِ بل شأنُ الملوكِ والأحرارِ، وأما العبيدُ فتَصَرُّفُهُم على مَحْض العبوديَّة. فهؤلاء عَبِيدُ الطاعةِ المضافون إليه سبحانه في قوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢]، وقوله: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣]، ومن عداهم عَبِيدُ القَهْرِ والرُّبوبيَّة؛ فإضافتُهم إليه كإضافة سائر البيوتِ إلى مُلْكِهِ، وإضافةُ أولئك كإضافة البيت الحرام إليه وإضافة ناقتِهِ إليه ودارِهِ التي هيِ الجنةُ إليه، وإضافةِ عبوديَّةِ رسولِهِ إليه؛ بقولِهِ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة: ٢٣]، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١]، ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩].
وفي التحقُّق بمعنى قولِهِ:"إنِّي عبدُك": التزامُ عبوديَّتِهِ من الذُلِّ والخُضوعِ والإنابة، وامتثالُ أمرِ سيدِهِ، واجتنابُ نهيِهِ، ودوامُ الافتقارِ إليه، واللَّجَأ إليه، والاستعانةِ به، والتوكُّل عليه، وعياذِ العبدِ به، ولِياذِهِ به، وأن لا يتعلَّقَ قلبُهُ بغيرِهِ محبَّةً وخوفًا ورجاءً.
وفيه أيضًا أني عبدٌ من جميع الوجوه، صغيرًا وكبيرًا، حيًّا وميِّتًا، مطيعًا وعاصيًا، مُعافًى ومبتلًى؛ بالروح والقلب واللسان والجوارح.
وفيه أيضًا أن مالي ونفسي مُلكٌ لك؛ فإن العبد وما يَملِكُ لسيدِه.
وفيه أيضًا أنَّكَ أنت الذي مننْتَ عليَّ بكلِّ ما أنا فيه من نعمةٍ؛ فذلك كلُّه من إنعامك على عبدك.