ولهذا كان الصوابُ أنَّ المعاد معلومٌ بالعقل مع الشرع، وأن كمالَ الربِّ تعالى وكمال أسمائه وصفاته تَقتضِيهِ وتُوجِبُهُ، وأنَّه مُنزَّهٌ عما يقولُه مُنكِروه كما يُنَزَّهُ كمالُه عن سائر العيوبِ والنقائص.
ثم أخبر سبحانَه أنَّ المُنكِرين لذلك لما كذَّبوا بالحقِّ اختلط عليهم أمرُهم؛ ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)﴾ [ق: ٥] مختلطٍ لا يَحصُلونَ منه على شيءٍ.
ثم دعاهم إلى النظرِ في العالم العُلْويِّ وبنائِهِ وارتفاعِهِ واستوائِهِ وحُسْنِه والتئامِهِ.
ثم إلى العالم السُّفْلِيِّ، وهو الأرضُ، وكيف بَسَطَها وهيَّأها بالبسط لِما يُرادُ منها، وثبَّتها بالجبال، وأودعَ فيها المنافع، وأنبتَ فيها من كلِّ صنفٍ حسنٍ من أصنافِ النباتِ على اختلاف أشكالِهِ وألوانِهِ ومقاديرِهِ ومنافعِهِ وصفاتِهِ. وأنَّ ذلك تَبْصِرةٌ؛ إذا تأمَّلها العبدُ المُنِيبُ وتَبصَّرَ بها تَذَكَّرَ ما دلَّت عليه مما أخبرتْ به الرسلُ من التوحيدِ والمعادِ؛ فالناظرُ فيها يَتبصَّرُ أولًا، ثم يَتذكَّرُ ثانيًا. وأنَّ هذا لا يَحصُلُ إلا لعبدٍ منيبٍ إلى الله بقلبِهِ وجوارحِهِ.
ثم دعاهم إلى التفكُّر في مادةِ أَرْزاقِهِم وأقواتِهم ومَلابِسِهم ومَراكِبِهم