للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

أركان الكفر أربعةٌ: الكبرُ، والحسد، والغضب، والشهوة؛ فالكبر يمنعه الانقيادَ، والحسد يمنعه قبولَ النصيحة وبذلها، والغضبُ يمنعه العدلَ، والشهوة تمنعه التفرُّغَ للعبادة.

فإذا انهدم ركنُ الكبر سَهُلَ عليه الانقياد، وإذا انهدم ركنُ الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله، وإذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع، وإذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبرُ والعفافُ والعبادةُ.

وزوال الجبال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الأربعة عمن بُلِي بها، ولا سيما إذا صارت هيئاتٍ راسخةً وملكاتٍ وصفاتٍ ثابتة؛ فإنه لا يستقيم له معها عملٌ البتة، ولا تزكو نفسه مع قيامها بها، وكلما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة، وكل الآفات متولدةٌ منها، وإذا استحكمت في القلب؛ أرتْه الباطلَ في صورة الحق والحقَّ في صورة الباطل، والمعروفَ في صورة المنكر والمنكرَ في صورة المعروف، وقَرَّبتْ منه الدنيا وبعَّدتْ منه الآخرةَ.

وإذا تأملتَ كفرَ الأمم رأيتَه ناشئًا منها، وعليها يقع العذابُ، وتكون خفتُهُ وشدته بحسب خفتها وشدتها؛ فمن فتحَها على نفسه فتَحَ عليه أَبوابَ الشرور كلها عاجلًا وآجلًا، ومن أغلقَها على نفسه أغلقَ عنه أبوابَ الشرور؛ فإنها تمنع الانقياد والإخلاص والتوبة والإنابة وقبول الحق ونصيحة المسلمين والتواضع لله ولخلقه.

ومنشأ هذه الأربعة من جهله بربِّه وجهله بنفسه؛ فإنه لو عرفَ ربَّه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسَه بالنقائص والآفات؛ لم

<<  <  ج: ص:  >  >>