وأصل صلاح هذه الرَّحى بالاشتغال بما يعنيك، وفسادها كله في الاشتغال بما لا يعنيك.
وما أحسن ما قال بعض العقلاء: لما وجدتُ أنواع الذخائر منصوبةً غرضًا للمتالف، ورأيتُ الزوال حاكمًا عليها مدركًا لها، انصرفتُ عن جميعها إلى ما لا يُنازِع فيه ذو الحِجَا أنه أنفع الذخائر وأفضل المكاسب وأربح المتاجر. والله المستعانُ.
• قال شقيق بن إبراهيم: أُغلِقَ بابُ التوفيق عن الخلق من ستة أشياء: اشتغالهم بالنعمة عن شكرها، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة، والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
قلت: وأصل ذلك عدم الرغبة والرهبة، وأصله ضعف اليقين، وأصله ضعفُ البصيرة، وأصله مهانة النفس ودناءتها واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ، وإلَّا فلو كانت النفس شريفةً كبيرةً لم ترضَ بالدُّون.
فأصلُ الخير كله -بتوفيق الله ومشيئته- شرفُ النفس ونُبلها وكِبَرها، وأصلُ الشر خِسَّتها ودناءتها وصِغَرها.
قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)﴾ [الشمس: ٩ - ١٠]؛ أي أفلح من كبَّرها وكثَّرها ونمَّاها بطاعة الله، وخاب من صغَّرها وحقَّرها بمعاصي الله.
فالنفوسُ الشريفةُ لا ترضى من الأشياء إلَّا بأعلاها وأفضلها