للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَخفِضُ ويَرفع، يرى من فوق سبعٍ ويسمع، ويعلم السِّرَّ والعلانية، فعَالٌ لما يريدُ، موصوفٌ بكلِّ كمال، منزَّهٌ عن كلِّ عيبٍ، لا تتحرَّكُ ذرَّةٌ فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقطُ ورقةٌ إلا بعلمه، ولا يَشفعُ أحدٌ عنده إلَّا بإذنِهِ، ليس لعباده من دونه وليٌّ ولا شفيعٌ.

فصل

لما بايعَ الرسولُ أهلَ العقبةِ (١) أمرَ أصحابَه بالهجرة إلى المدينة، فعلمتْ قريشٌ أنَّ أصحابهُ قد كَثُروا وأنَّهم سيمنعونه، فأَعملتْ آراءها في استخراج الحيل؛ فمنهم من رأى الحبس، ومنهم من رأى النفي، ثم اجتمع رأيُهم على القتل.

فجاء البريدُ بالخبر من السماء، وأمره أن يُفارِقَ المضجعَ، فبات عليٌّ مكانَه (٢)، ونهضَ الصِّدِّيقُ لرفقة السَّفَرِ.

فلمَّا فارقا بيوتَ مكَّةَ اشتدَّ الحَذَرُ بالصِّدِّيق، فجعل يذكُرُ الرَّصدَ فيسيرُ أمامه، وتارةً يذكُرُ الطلَب فيتأخَّرُ وراءه، وتارةً عن يمينِه، وتارةً عن شماله، إلى أن انتهيا إلى الغار.

فبدأ الصدِّيقُ بدخولِهِ ليكون وقايةً له إنْ كان ثَمَّ مُؤذٍ، وأنْبَتَ الله شجرةً لم تكن قبلُ، فأظلَّت المطلوب وأضلَّت الطالب، وجاءتْ عنكبوتٌ فحاذَتْ وجهَ الغار فحاكتْ ثوبَ نَسْجِها على منوال السِّتْرِ، فأُحْكِمَت الشُّقَّةُ حتى عُمِّيَ على القائفِ الطلبُ، وأرسل الله حمامتين


(١) هذه بيعة العقبة الثانية، وخبرها في مسند أحمد (٣/ ٣٢٢) وسيرة ابن هشام (٢/ ٤١) والبداية والنهاية (٣/ ٦٠).
(٢) كما في قصة الهجرة التي أخرجها أحمد (١/ ٣٤٨) عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>