للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتَّخَذَتا هناك عُشًّا جعل على أبصار الطالبين غِشاوةً (١)، وهذا أبلغُ في الإعجاز من مقاومة القوم بالجنود.

فلمَّا وقف القومُ على رؤوسهم، وصار كلامُهم بسَمْعِ الرسول والصِّدِّيق؛ قال الصِّدِّيقُ وقد اشتدَّ به القلقُ: يا رسول الله! لَو أنَّ أحدَهم نظرَ إلى ما تحتَ قدميه لأبصَرنَا تحتَ قدمَيْهِ. فقال رسول الله : "يا أبا بكر! ما ظنُّك باثنينِ اللهُ ثالثُهُما؟ " (٢).

لما رأى الرسول حزنَه قد اشتدَّ -لكن لا على نفسه- قَوَّى قلبَه ببشارة ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: ٤٠]، فظهَر سِرُّ هذا الاقترانِ في المعيَّة لفظًا كما ظهر حكمًا ومعنى؛ إذ يُقالُ: رسول الله وصاحبُ رسول الله، فلما مات قيل: خليفةُ رسولِ الله، ثمَّ انقطعتْ إضافةُ الخلافةِ بموته، فقيل: أميرُ المؤمنين (٣).

فأقاما في الغار ثلاثًا، ثم خرجا منه ولسانُ القدرِ يقولُ: لتدخُلنَّها دُخولًا لم يَدْخُله أحدٌ قبلك ولا ينبغي لأحدٍ من بعدك.

فلما استقلَّا على البيداء لَحِقَهما سُراقةُ بن مالك، فلما شارفَ الظفَر أرسل عليه الرسولُ سهمًا من سِهام الدُّعاء، فساخَتْ قوائمُ فرسِه في الأرض إلى بطنها (٤)، فلما علم أنه لا سبيلَ له عليهما أخذ


(١) الخبر الوارد في ذلك لا يصح، وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات (١/ ٢٢٩) والبزار في مسنده (كما في مجمع الزوائد ٦/ ٥٦) والطبراني في المعجم الكبير (٢٠/ ٤٤٣). قال ابن كثير في البداية والنهاية (٣/ ١٨١): غريب جدا.
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٥٣) ومسلم (٢٣٨١) عن أبي بكر.
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك (٣/ ٧٩).
(٤) أخرجه البخاري (٣٩٠٨) ومسلم (٢٠٠٩) عن البراء بن عازب).

<<  <  ج: ص:  >  >>