وجَنَّاتِهِم، وهو الماءُ الذي أنزلَه من السماءِ وباركَ فيه، حتى أنْبَتَ به جَناتٍ مختلفةَ الثمارِ والفواكهِ ما بين أبيضَ وأسودَ وأحمرَ وأصفرَ وحلوٍ وحامضٍ وبَيْنَ ذلك، مع اختلافِ منافِعِها وتنوُّعُ أجناسِها، وأنْبَتَ به الحبوبَ كلَّها على تَنوُّعِها واختلافِ مَنافِعهَا وصفاتِها وأشكالها ومقاديرها، ثم أفردَ النخلَ لما فيه من موضع العبرةِ والدِّلالةِ التي لا تَخفى على المتأمِّل، وأَحيا به الأرض بَعْدَ مَوْتِها.
ثم قال: ﴿كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (١١)﴾ [ق: ١١]؛ أي: مثلُ هذا الإخراج من الأرض الفواكه والثمارَ والأقوات والحبوبَ خروجُكُم من الأرض بعد ما غُيِّبْتُم فيها.
وقد ذكرنا هذا القياس وأمثاله من المقاييس الواقعة في القرآن في كتابنا "المعالم"(١)، وبيَّنَّا بعضَ ما فيها من الأسرار والعِبَر.
ثم انتقلَ سبحانه إلى تقرير النبوَّةِ بأحسنِ تقريرٍ وأوجزِ لفظٍ وأبعدِهِ عن كلِّ شُبهةٍ وشكٍّ، فأخبر أنه أرسل إلى قوم نوح وعادٍ وثمود وقوم لوطٍ وقوم فرعونَ رُسلًا فكذَّبوهم، فأهلكَهُم بأنواع الهلاك، وصَدَّقَ فيهم وعيدَه الذي أوْعَدَتْهم به رُسُلُهُ إن لم يؤمنوا، وهذا تقريرٌ لنبوَّتِهِم ولنبوَّةِ مَن أخبرَ بذلك عنهم من غير أن يتعلَّم ذلك من مُعلِّمٍ ولا قرأهُ في كتابٍ، بل أخبر به إخبارًا مفصَّلًا مطابقًا لما عند أهل الكتابِ.
ولا يَرِدُ على هذا إلَّا سؤالُ البَهْتِ والمكابرةِ على جَحْدِ الضَّروريات بأنَّه لم يكنْ شيءٌ من ذلك! أو أنَّ حوادثَ الدهرِ ونكباتِهِ أصابتْهم كما أصابتْ غيرَهم!! وصاحبُ هذا السؤال يعلَمُ من نفسِهِ أنه بَاهتٌ
(١) أي "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (١/ ١٥٠ - ١٩٥).