للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو الذي قضَى بالسبب وقضى بالمسبب، وهو عدلٌ في هذا القضاء، وهذا القضاءُ خيرٌ للمؤمن؛ كما قال : "والذي نفسي بيده لا يَقضِي الله للمؤمن قضاءً؛ إلَّا كان خيرًا له، وليس ذلك إلَّا للمؤمن" (١).

قال العلَّامة ابن القيِّم: فسألتُ شيخَنا (٢): هل يدخُلُ في ذلك قضاءُ الذنب؟ فقال: نعم بشرطه.

فأجملَ في لفظة (بشرطه) ما يَترتَّبُ على الذنب من الآثار المحبوبة لله من التوبة والانكسار والندم والخضوع والذُّلِّ والبكاءِ وغير ذلك.

فائدة

لا تَتِمُّ الرغبةُ في الآخرة إلا بالزُّهد في الدُّنيا.

ولا يستقيم الزُّهدُ في الدُّنيا إلا بعد نظرين صحيحين:

نظرٌ في الدُّنيا وسرعةِ زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها وخِسَّتها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغُصَصِ والنَّغَصِ والأنكادِ، وآخِرُ ذلك الزوالُ والانقطاعُ، مع ما يُعقِبُ من الحسرة والأسف؛ فطالبُها لا يَنفكُّ من هَمٍّ قبل حصولها، وهَمٍّ في حالِ الظَّفرِ بها، وغمٍّ وحزنٍ بعد فواتها. فهذا أحدُ النظرين.

النظرُ الثاني في الآخرة، وإقبالِها ومجيئها ولا بُدَّ، ودوامِها وبقائها، وشرفِ ما فيها من الخيرات والمسرَّات، والتفاوت الذي بينه وبين ما ها هنا؛ فهي كما قال الله سبحانه: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: ١٧]؛


(١) أخرجه مسلم (٢٩٩٩) عن صهيب.
(٢) يعني شيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر "مجموع الفتاوى" (١٠/ ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>