اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الذِي مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [البقرة: ١٢٠]، وقال في القرآن: ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ [النساء: ١٦٦]؛ أي: وفيه علمه.
ولمَّا بَعُدَ العهدُ بهذا العلم؛ آلَ الأمرُ بكثيرٍ من الناس إلى أن اتَّخذوا هواجسَ الأفكار وسوانحَ الخواطر والآراء علمًا، ووضعوا فيها الكتبَ، وأنفقوا فيها الأنفاسَ، فضيَّعوا فيها الزمان، وملؤوا بها الصحفَ مدادًا والقلوب سوادًا، حتى صَرَّح كثيرٌ منهم أنَّه ليس في القرآن والسنة علمٌ! وأن أدلَّتهما لفظيةٌ لا تفيدُ يقينًا ولا علمًا!! وصَرَخَ الشيطانُ بهذه الكلمة فيهم، وأذَّنَ بها بين أظهرهم، حتى أسمعَها دانِيهم لقاصيهم، فانسلختْ بها القلوبُ من العلم والإيمان كانسلاخ الحيَّة من قِشْرها والثوب عن لابسه.
قال الإمام العلَّامةُ شمس الدين ابن القيم: ولقد أخبرني بعضُ أصحابنا عن بعض أتباع تلاميذ هؤلاء أنه رآه يشتغلُ في بعض كتُبهم ولم يحفظ القرآن، فقال له: لو حفظتَ القرآن أولًا كان أولى! فقال: وهل في القرآن علمٌ؟!
قال ابن القيِّم: وقال لي بعض أئمة هؤلاء: إنما نسمع الحديثَ لأجل البركة، لا لنستفيدَ منه العلم؛ لأنَّ غيرنا قد كفانا هذه المؤونةَ؛ فعمدتُنا على ما فهموه وقرَّروه.
ولا شكَّ أنَّ من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائلُ: