قال تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣)﴾ [نوح: ١٣]؛ أي لا تعاملونه معاملةَ من توقِّرونه، والتوقير: العظمة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩]؛ قال الحسن: ما لكم لا تعرفون لله حقًّا ولا تشكرونه؟! وقال مجاهدٌ: لا تبالون عظمة ربكم. وقال ابن زيد: لا ترون لله طاعة. وقال ابن عباس: لا تعرفون حقَّ عظمته (١).
وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم لو عظَّموا الله وعرفوا حقَّ عظمته وحَّدوه وأطاعوه وشكروه؛ فطاعته سبحانه واجتناب معاصيه والحياء منه بحسب وقاره في القلب.
ولهذا قال بعض السلف: لِيعظُم وقارُ الله في قلب أحدكم أن يذكره عند ما يستحيي من ذكره فَيقرِن اسمه به؛ كما تقول: قبح الله الكلب والخنزير والنتن، ونحو ذلك! فهذا من وقار الله.
ومن وقاره أن لا تَعدِلَ به شيئًا من خلقه، لا في اللفظ بحيث تقول: واللَّهِ وحياتِك ما لي إلا الله وأنت، وما شاء الله وشئتَ، ولا في الحب والتعظيم والإجلال، ولا في الطاعة فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع الله، بل أعظم؛ كما عليه أكثر الظلمة والفجرة، ولا في الخوف والرجاء؛ ويجعله أهونَ الناظرين إليه، ولا يستهين بحقه ويقول: هو مبنيٌّ على المسامحة، ولا يجعله على الفضلة ويقدم حق المخلوق عليه، ولا يكون الله ورسوله في حدٍّ وناحيةٍ، والناس في ناحية وحد، فيكون في الحد والشِّقِّ الذي فيه الناس دون الحد والشق الذي فيه الله
(١) انظر تفسير الطبري (٢٣/ ٢٩٥) والدر المنثور (١٤/ ٧٠٧).