للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصَّبْرُ طِلَّسْمٌ لِكَنْزِ وصالِنا … من حَلَّ ذا الطِّلَّسْم فازَ بكَنْزِهِ

وبالله التوفيق.

فائدة

قولُه تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)﴾ إلى آخرها [التكاثر: ١].

أُخْلِصَتْ هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد، وكفى بها موعظةً لمن عقلها.

فقولُه تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ﴾؛ أي: شَغَلَكُم على وجهٍ لا تُعذَرون فيه؛ فإنَّ الإلهاء عن الشيءِ هو الاشتغالُ عنهُ، فإن كان بقصدٍ فهو محلُّ التكليف، وإن كان بغير قصدٍ -كقوله في الخميصة: "إنَّها ألهتْني آنفًا عن صلاتي" (١) - كان صاحبُهُ معذورًا، وهو نوعٌ من النسيان، وفي الحديث: فلها رسول الله عن الصَّبيِّ (٢)؛ أي: ذهلَ عنه، ويقال: لها بالشيء أي: اشتغل به، ولها عنه: إذا انصرف عنه. واللهوُ للقلب، واللعبُ للجوارح، ولهذا يُجْمعُ بينهما. ولهذا كأنه قوله: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)﴾ أبلغ في الذَّمِّ من (شَغلَكُم)؛ فإنَّ العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه غير لاهٍ به؛ فاللهو هو ذهولٌ وإعراضٌ.

والتكاثر تفاعل من الكثرة، أي مكاثرة بعضكم لبعض، وأعرض عن ذكر المتكاثر به إرادةً لإطلاقه وعمومه وأنَّ كلَّ ما يُكاثِرُ به العبدُ غيَره -سوى طاعةِ الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده- فهو داخلٌ في هذا التكاثر، فالتكاثرُ في كل شيء؛ من مال، أو جاهٍ، أو رئاسة، أو نسوةٍ،


(١) أخرجه البخاري (٣٧٣) ومسلم (٥٥٦) من حديث عائشة.
(٢) أخرجه البخاري (٦١٩١) ومسلم (٢١٤٩) من حديث سهل بن سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>