للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس في المفروح به أبلغُ منه (١)، وهذا الفرحُ إنَّما كان بفعل المأمور به، وهو التوبةُ، فقدَّر الذنب لما يترتَّبُ عليه من هذا الفرح العظيم الذي وجودُهُ أحبُّ إليه من فواته، ووجوده بدون لازمه ممتنع فدلَّ على أن وجود ما يحب أحبُّ إليه من فوات ما يكرهُ.

وليس المرادُ بذلك أنَّ كلَّ فردٍ من أفراد ما يحبُّ أحبُّ إليه من فوات كل فردٍ مما يكرهُ، حتى تكون ركعتا الضُّحى أحبَّ إليه من فوات قتل المسلم، وإنما المراد أن جنس فعل المأمورات أفضلُ من جنس ترك المحظورات؛ كما إذا فُضِّلَ الذكَرُ على الأنثى والإنسيُّ (٢) على الملك؛ فالمرادُ الجنسُ لا عمومُ الأعيانِ.

والمقصودُ أنَّ هذا الفرح الذي لا فرح يُشبِهُهُ بفعل مأمور التوبة يَدُلُّ على أنَّ هذا المأمور أحبُّ إليه من فوات المحظور الذي تفوتُ به التوبةُ وأثرُها ومُقتضاها.

فإن قيل: إنما فرح بالتوبة لأنَّها تركٌ للمنهي، فكان الفرحُ بالترك!

قيل: ليس كذلك؛ فإن الترك المحض لا يُوجب هذا الفرحَ بل ولا الثواب ولا المدح، وليست التوبة تركًا، وإن كان التركُ من لوازمها، وإنما هي فعلٌ وجوديٌّ، يتضمنُ إقبال التائب على ربِّه وإنابتهُ إليه والتزام طاعته، ومن لوازم ذلك ترك ما نهي عنه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ﴾ [هود: ٣]؛ فالتوبة رجوعٌ مما يكره إلى ما يحبُّ، وليست مجرد الترك؛ فإن من ترك الذنب تركًا مجردًا ولم يرجع


(١) أخرجه البخاري (٦٣٠٩) ومسلم (٢٧٤٧) من حديث أنس بن مالك.
(٢) في الأصل: "الأنثى" تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>