للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيءٍ، وهو سبحانه كتب على نفسه الرحمةَ ولم يكتُب على نفسه الغضب، ووسع كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا ولم يَسَعْ كلَّ شيءٍ غضبًا وانتقامًا؛ فالرحمةُ وما كان بها ولوازمُها وآثارُها غالبةٌ على الغضب وما كان منه وآثاره؛ فوجودُ ما كان بالرحمة أحبُّ إليه من وجود ما كان من لوازم الغضب، ولهذا كانت الرحمةُ أحبُّ إليه من العذاب، والعفوُ أحبَّ إليه من الانتقام؛ فوجود محبوبه أحبُّ إليه من فوات مكروهه، ولا سيَّما إذا كان في فوات مكروهه فواتُ ما يحبُّه من لوازمه؛ فإنَّه يكره فوات تلك اللوازم المحبوبة كما يكرهُ وجود ذلك الملزوم المكروه.

الوجهُ الثامن عشر: أن آثار ما يكرهُهُ -وهو المنهياتُ- أسرعُ زوالًا بما يُحبُّه من زوال آثار ما يحبُّه بما يكرهُه.

فآثارُ كراهته سريعةُ الزوال، وقد يُزيلُها سبحانه بالعفو والتجاوز، وتزولُ بالتوبة، والاستغفار، والأعمال الصالحة، والمصائب المُكَفِّرة، والشفاعة، والحسناتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئات، ولو بلغتْ ذنوبُ العبدِ عَنانَ السماءِ، ثم استغفره غفر له، ولو لقيَهُ بِقُرابِ الأرض خطايا، ثم لقيَهُ لا يُشرِكُ به شيئًا؛ لأتاهُ بقُرابها مغفرة، وهو سبحانه يَغفرُ الذنوب -وإن تعاظمت- ولا يُبالي، فيبطِلُها ويبطلُ آثارها بأدنى سعي من العبد وتوبةٍ نصوح وندمٍ على ما فعل، وما ذاك إلا لوجود ما يُحِبُّه من توبة العبد وطاعته وتوحيده، فدلَّ على أنَّ وجود ذلك أحبُّ إليه وأرضى له.

يوضِّحُه الوجهُ التاسعَ عشرَ: وهو أنَّه سبحانه قدَّر ما يُبْغِضُهُ ويكرهُهُ من المنهيَّاتِ لما يترتَّب عليها مما يحبُّه ويفرحُ به من المأمورات.

فإنَّه سبحانه أفرحُ بتوبة عبده من الواجد الفاقد والعقيم الوالد والظمآن الوارد، وقد ضربَ رسولُ الله لفرحه بتوبة العبد مثلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>