للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُنسِي علمًا ذِكرُه ألذُّ من نيل الشهوة، وإما أن تُشمِّت عدوًّا وتُحزِن وليًّا، وإما أن تقطع الطريقَ على نعمةٍ مقبلةٍ، وإما أن تُحدِثَ عيبًا يبقى صفةً لا تزولُ؛ فإن الأعمال تُورِثُ الصفاتِ والأخلاقَ.

فصل

للأخلاق حدٌّ متى جاوزتْه صارت عُدوانًا، ومتى قصَّرتْ عنه كان نقصًا ومهانةً.

فللغضب حدٌّ، وهو الشجاعةُ المحمودةُ والأَنفةُ من الرذائل والنقائص، وهذا كماله. فإذا جاوز حدَّه تعدَّى صاحبُه وجار، وإن نقصَ عنه جبُن ولم يأْنَفْ من الرذائل.

وللحرص حدٌّ، وهو الكفاية في أمور الدنيا وحصول البلاغ منها. فمتى نقص من ذلك كان مهانةً وإضاعةً، ومتى زاد عليه كان شَرَهًا ورغبةً فيما لا تُحمَد الرغبةُ فيه.

وللحسد حدٌّ، وهو المنافسةُ في طلب الكمال والأنفةُ أن يتقدَّم عليه نظيرُه. فمتى تعدَّى ذلك صار بغيًا وظلمًا يتمنَّى معه زوال النعمة عن المحسود ويَحرِصُ على إيذائه، ومتى نقصَ عن ذلك كان دَناءةً وضعفَ همةٍ وصِغَرَ نفس.

قال النبيُّ : "لا حسدَ إلّا في اثنتين: رجُلٌ آتاهُ الله مالًا فسلَّطهُ على هَلَكتِه في الحق. ورجلٌ آتاهُ الله الحكمةَ فهو يقضي بها ويُعلِّمُها الناسَ" (١) فهذا حسدُ منافسةٍ يُطالبُ الحاسدُ به نفسَه أن يكون مثل


(١) أخرجه البخاري (٧٣) ومسلم (٨١٧) عن ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>