للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي لا تنفعُ؛ لم يبق فيها موضعٌ للشُّغل بالله ومعرفة أسمائِهِ وصفاتِهِ وأحكامِه.

وسرُّ ذلك أنَّ إصغاء القلب كإصغاءِ الأُذُنِ: فإذا صَغا إلى غير حديث الله؛ لم يبْقَ فيه إصغاءٌ ولا فهمٌ لحديثِهِ، كما إذا مال إلى غير محبَّة الله؛ لم يبقَ فيه ميلٌ إلى محبَّتِهِ، فإذا نطق القلبُ بغير ذِكرِهِ؛ لم يَبْقَ فيه محلٌّ للنُّطقِ بذكرِهِ كاللسان.

ولهذا في الصحيح (١) عن النبيِّ أنَّه قال: "لأنْ يَمْتَلِئَ جوفُ أحدِكُمْ قَيْحًا حتَّى يَرِيَهُ خيرٌ له من أن يمتلئَ شعرًا"؛ فبيَّنَ أنَّ الجوف يمتلئُ بالشِّعرِ.

فكذلك يمتلئُ بالشُّبه، والشُّكوكِ، والخيالاتِ، والتقديرات (٢) التي لا وجود لها، والعلوم التي لا تنفعُ، والمُفاكَهاتِ، والمُضحِكاتِ، والحكاياتِ ونحوها.

وإذا امتلأ القلبُ بذلك؛ جاءتْهُ حقائقُ القرآنِ والعلم الذي به كمالُهُ وسعادتُهُ، فلم تجدْ فيه فراغًا لها ولا قبولًا، فتَعدَّتْهُ وجاوزتْهُ إلى محلٍّ سواهُ؛ كما إذا بُذِلَتِ النصيحةُ لقلبٍ ملآن من ضدِّها لا منفذَ لها فيه؛ فإنَّه لا يقبلُها ولا تلجُ فيه، لكن تَمُرُّ مجتازةً لا مستوطنةً.

ولذلك قيل (٣):

نَزِّهْ فُؤادك من سوانا تَلْقنا … فجَنابُنا حِلٌّ لِكُلِّ مُنَزَّهِ


(١) أخرجه البخاري (٦١٥٥) ومسلم (٢٢٥٧) من حديث أبي هريرة.
(٢) في الأصل: "التقدرات".
(٣) البيتان بلا نسبة في "طريق الهجرتين" (٢/ ٥٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>