للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجهمية" (١). فصاحبُ القلب يجمعُ بين قلبه وبين معاني القرآن، فيجدُها كأنَّها قد كُتِبَتْ فيه؛ فهو يقرؤُها عن ظهر قلبٍ.

ومن الناس من لا يكونُ تامَّ الاستعداد، واعيَ القلبِ، كاملَ الحياةِ، فيحتاجُ إلى شاهدٍ يُميِّزُ له بين الحقِّ والباطل، ولم تبلُغْ حياةُ قلبه ونورُهُ وزكاءُ فطرته مبلغَ صاحب القلب الحي الواعي؛ فطريقُ حصولِ هدايته: أن يُفَرِّغَ سمعَهُ للكلام، وقَلْبَهُ لتأمُّلِهِ والتفكُّرِ فيه وتعقُّلِ معانيه، فيعلم حينئذٍ أنَّه الحقُّ.

فالأوَّلُ حالُ من رأى بعينَيه (٢) ما دُعي إليه وأُخْبِرَ به، والثاني حالُ مَن علمَ صدْقَ المُخْبِرِ وتيقَّنَهُ وقال: يكفيني خبرُهُ. فهو في مقام الإيمان، والأولُ في مقام الإحسان. هذا قد وصل إلى علم اليقين وتَرقَّى قلبُهُ منه إلى منزلة عين اليقين، وذاك معهُ التصديقُ الجازمُ الذي خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام.

فعينُ اليقين نوعان: نوعٌ في الدُّنيا، ونوعٌ في الآخرة. فالحاصلُ في الدُّنيا نسبتُه إلى القلب كنسبةِ الشاهد إلى العين. وما أخبرتْ به الرسلُ من الغيب يُعايَنُ في الآخرة بالأبصار وفي الدنيا بالبصائر؛ فهو عينُ يقينٍ في المرتبتين.

فصل

وقد جمعتْ هذه السورةُ من أصول الإيمان ما يكفي ويشْفي ويُغْني


(١) ص ٦ - ١٢. وتكلم عليه أيضًا في "الوابل الصيب" (ص ٦٥ - ٦٨) و"إعلام الموقعين" (١/ ٢٠٥ - ٢٠٩) و"الصواعق المرسلة" (٣/ ٨٥١).
(٢) ط: "بعينه".

<<  <  ج: ص:  >  >>