للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبطأتُم عنها؛ فلا تَأمَنوا أن الله يَحُول بينكم وبين قلوبكم، فلا يُمكِّنكم بعد ذلك من الاستجابة؛ عقوبةً لكم على تركها بعدَ وضوح الحق واستبانتِه، فيكون كقوله: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠]، وقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥]، وقوله: ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ١٠١]؛ ففي الآية تحذيرٌ عن تركِ الاستجابةِ بالقلب وإن استجابَ بالجوارح.

وفي الآية سرٌّ آخرُ، وهُو أنه جَمعَ لهم بين الشرع والأمر به -وهو الاستجابةُ- وبين القدر والإيمان به؛ فهي كقوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ (٢٩)[التكوير: ٢٨ - ٢٩]، وقوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَمَا يَذْكُرُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [المدثر: ٥٥ - ٥٦].

والله أعلم.

فائدة جليلة

قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)[البقرة: ٢١٦].

وقوله ﷿: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيرًا (١٩)[النساء: ١٩].

فالآية الأولى في الجهاد الذي هو كمال القوة الغضبية.

والثانية في النكاح الذي هو كمال القوة الشهوانية.

فالعبد يكرهُ مواجهةَ عدوه بقوته الغضبية خشيةً على نفسه منه، وهذا المكروهُ خيرٌ له في معاشه ومعاده، ويُحِبُّ الموادعةَ والمتاركةَ، وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>