للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحبوبُ شرٌّ له في معاشه ومعاده.

وكذلك يكرهُ المرأةَ لوصفٍ من أوصافها، وله في إمساكها خيرٌ كثير لا يَعرِفُه، ويُحِبُّ المرأة لوصفٍ من أوصافها، وله في إمساكها شرٌّ كثيرٌ لا يَعرِفهُ.

فالإنسانُ -كما وصفه به خالقُه- ظَلومٌ جَهولٌ؛ فلا ينبغي أن يجعلَ المعيارَ على ما يضره وينفعه ميلَه وحبَّه ونفرتَه وبُغضَه، بل المعيارُ على ذلك ما اختاره الله له بأمره ونهيه؛ فأنفعُ الأشياءِ له على الإطلاق طاعةُ ربه بظاهره وباطنه، وأضرُّ الأشياء عليه على الإطلاق معصيتُه بظاهره وباطنه؛ فإذا قام بطاعته وعبوديَّته مخلصًا له فكلُّ ما يَجري عليه مما يكرهه يكون خيرًا له، وإذا تخلَّى عن طاعته وعبوديته فكلُّ ما هو فيه من محبوبٍ هو شرٌّ له.

فمن صحَّتْ له معرفةُ ربه والفقهُ في أسمائه وصفاته؛ عَلِم يقينًا أن المكروهات التي تُصِيبه والمِحَن التي تَنزل به فيها ضروبٌ من المصالح والمنافع التي لا يُحصِيها علمُه ولا فِكرتُه، بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يُحِب؛ فعامةُ مصالح النفوس في مكروهاتها؛ كما أن عامةَ مَضارِّها وأسباب هَلَكَتِها في محبوباتها.

فانظُرْ إلى غارسِ جنةٍ من الجنات خبيرٍ بالفلاحة؛ غَرَسَ جنةً، وتعاهدَها بالسقي والإصلاح حتى أثمرتْ أشجارها، فأقبل عليها يَفصِلُ أوصالها ويقطع أغصانَها لعلمه أنها لو خُلِّيتْ على حالها؛ لم تَطِبْ ثمرتُها، فيُطعِّمُها من شجرة طيبة الثمرة. حتى إذا التحمتْ بها واتحدتْ وأعطتْ ثمرتَها؛ أقبل يُقلِّمُها ويقطع أغصانَها الضعيفة التي تُذهِب قوتَها، ويُذِيقُها ألمَ القطع والحديد لمصلحتها وكمالها، لتَصلُحَ ثمرتُها

<<  <  ج: ص:  >  >>