للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تجلى بصفات العزِّ والكبرياء أعطتْ نفسُه المطمئنةُ ما وصلتْ إليه من الذُّلِّ لعظمته، والانكسار لعزَّته، والخضوع لكبريائه، وخشوع القلب والجوارح له، فتعلوه السكينةُ والوقارُ في قلبه ولسانه وجوارحه وسمتِهِ، ويَذهبُ طيشُه وتَوْقُه وحدَّتُهُ.

وجِماعُ ذلك أنه سبحانه يَتعرَّفُ إلى العبد بصفاتِ إلهيَّتِه تارةً وبصفاتِ ربوبيَّتِه تارةً:

فيُوجِب له شهودُ صفاتِ الإلهية: المحبةَ الخاصة، والشوقَ إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه، والتودُّد إليه بطاعته، واللَّهَجَ بذكره، والفرار من الخلق إليه، ويصيرُ هو وحدَه همَّهُ دون ما سواه.

ويُوجِب له شهودُ صفاتِ الربوبيَّة: التوكلَ عليه، والافتقارَ إليه، والاستعانة به، والذُّلَّ والخضوع والانكسار له.

وكمالُ ذلك أن يشهد ربوبيَّتَهُ في إلهيَّتِهِ، وإلهيَّتَهُ في ربوبيَّتِهِ، وحمده في ملكِهِ، وعزَّه في عفوهِ، وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه، وعطاءه في منعه، وبرَّهُ ولطفه وإحسانه ورحمته في قيُّومِيَّتِهِ، وعدلهُ في انتقامه، وجودَهُ وكرمهُ في مغفرته وسترِهِ وتجاوزِهِ، ويشهد حكمتَه ونعمته في أمره ونهيه، وعزَّهُ في رضاهُ وغضبه، وحلمهُ في إمهالِهِ، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه.

وأنت إذا تدبَّرتَ القرآن وأجَرتَهُ من التحريف وأن تقضي عليه بآراء المتكلمين وأفكار المتكلِّفين؛ أشهدَك مَلِكًا قيُّومًا فوق سماواته، على عرشه، يُدبِّرُ أمرَ عباده، يأمرُ وينهى، ويُرسِلُ الرسل وينزلُ الكتب، ويرضى ويغضبُ، ويُثيبُ ويُعاقبُ، ويُعطي ويَمنعُ، ويُعزُّ ويُذِلُّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>