منه إلى ما يحبُّه الربُّ تعالى لم يكنْ تائبًا؛ فالتوبة رجوعٌ وإقبالٌ وإنابةٌ لا تركٌ محضٌ.
الوجه العشرون: أن المأمور به إذا فات فاتت الحياة المطلوبةُ للعبد، وهي التي قال تعالى فيها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤]، وقال: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيتًا فَأَحْيَينَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ١٢٢]. وقال في حقِّ الكفَّار: ﴿أَمْوَاتٌ غَيرُ أَحْيَاءٍ﴾ [النحل: ٢١]، وقال: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: ٨٠]. وأما المنهيُّ عنه فإذا وُجِد فغايتُهُ أن يوجد المرضُ، وحياةٌ مع السَّقم خيرٌ من موتٍ.
فإن قيل: ومن المنهيِّ عنه ما يُوجِب الهلاك، وهو الشِّرْكُ.
قيل: الهلاكُ إنما حصل بعدم التوحيد المأمور به الذي به الحياةُ، فلما فُقِد حصلَ الهلاكُ؛ فما هلك إلَّا من عدم إتيانه بالمأمور به.
وهذا وجهٌ حادٍ وعشرون في المسألة: وهو أنَّ في المأمورات ما يُوجِب فواتُهُ الهلاكَ والشقاء الدائم، وليس في المنهيَّات ما يقتضي ذلك.
الوجهُ الثاني والعشرون: أنَّ فعل المأمور يقتضي ترك المنهيِّ عنه إذا فُعِل على وجهه من الإخلاص والمتابعة والنُّصح لله فيه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، ومجرَّدُ ترك المنهي لا يقتضي فعل المأمور ولا يستلزمه.
الوجهُ الثالثُ والعشرون: أنَّ ما يحبُّه من المأمورات فهو متعلِّقٌ بصفاته، وما يكرهه من المنهيات فمتعلقٌ بمفعولاته.